رواية سر غائب الفصل الخامس 5 ظلت السيارة تطاردهم حتى سمع أيسر صوت طلقة نارية مدوية اصتطدمت بزجاج السيارة الخلفى إلا أن كان الحظ حليفهم فزجاج السيارة مضاد للرصاص لذلك لم تفلح الرصاصة فى اختراقه زاد أيسر فى سرعة قيادة السيارة شعرت ثراء بأنهم على وشك أن يلقوا حتفهم فظلت تناجى ربها تبتهل اليه بالدعاء الذى ترافقه دموعها حتى أنها نطقت الشهادتين فلعل تلك الساعة هى الأخيرة بحياتها
–يارب أسترها يارب..اشهد ان لا اله الا الله وان سيدنا محمد رسول الله
لتغمض عينيها فى انتظار ما سيحدث لهم..فتحت عينيها بعد أن شعرت بالسكون فهى حتى لا تسمع صوت إطلاق النيران..فكل شئ بدا هادئاً..رفعت رأسها وجدته يبتسم لها ابتسامة خفيفة وصدره يعلو ويهبط كأنه كان بسباق للركض فالتقط أنفاسه ليردف بصوت لاهث:
–خلاص يا أنسة ثراء كل شئ عدا على خير أنتى فى أمان دلوقتى
استندت بيدها على المقعد ..تحاول حمل جسدها الملقى على أرضية السيارة فجسدها حتى لا يستجيب لأوامر عقلها..شعر أيسر بالقلق يخشى ان يكون أصابها مكروه وجد نفسه يفتح الباب بجانبه يترجل من السيارة..ليدور حول السيارة فتح الباب الخلفى نظر اليها بقلق قائلا:
–أنسة ثراء انتى كويسة حصلك حاجة
أجابته بصوت غلب عليه البكاء قائلة:
_رجلى يا أيسر مش حاسة برجلى خالص كأن انا متخدرة او زى ما أكون أتشليت
حاول طمأنتها قليلاً فأردف مواسيا لها:
–بعد الشر عليكى يا أنسة ثراء ده ممكن يكون حصلك من الصدمة متقلقيش حاولى بس تخرجى من العربية
مد إليها يده يحثها على الترجل من السيارة:
–هاتى ايدك وانزلى يلا من العربية
أبت ان تضع يدها فى كف يده الممدود إليها..فهى حتى تخشى التفكير بذلك:
–انا هحاول اخرج لوحدى يا أيسر
هز رأسه بشئ من الحرج وسحب يده فكيف تغافل عن أنها ربما تشعر هى بالخجل من ملامسة يدها ليده شرعت هى فى الخروج من السيارة وهى تشعر بثقل قدميها فهى مازالت تعانى من تلك الحالة التى تصيبها عندما تشعر بالخوف منذ ان كانت طفلة صغيرة..جاهدت حتى وقفت بجانب السيارة تستند عليها تحاول ملأ رئتيها بالهواء الذى شعرت أنه نقص منها وامتلئت بالخوف والذعر..وجدته يمد يده لها بزجاجة من المياه..نظرت اليه بامتنان، تناولتها منه ترتشف منها تروى ذلك الجفاف الذى ألم بحلقها
هتف أيسر بها قائلا:
–حضرتك كويسة دلوقتى يا أنسة ثراء..!!
هزت رأسها بتعب قائلة:
–الحمد لله أحسن هى الحالة دى بتحصلى لما بخاف بحس كأن انا مشلولة ومش قادرة اتحرك !!!
–هى بتحصلك من زمان الحالة دى !!
اعتدلت ثراء تحاول ان تعيد سريان الدم فى قدميها قائلة:
–من وانا طفلة صغيرة بتبقى زى حالة نفسية زى الرهاب كده بس انا بتحصلى بتشنجات وتيبس فى المفاصل والعضلات
–ألف سلامة على حضرتك يا أنسة ثراء
تبع حديثه بابتسامة خفيفة كعهده دائماً،نظرت ثراء حولها فوجدت أنهم فى مكان شبه خالى ولكنها لاتعلم ماذا حدث لتلك السيارة الاخرى التى كانت تطاردهم؟ فتوجه بصرها تلقاء وجهه مردفة:
–أيسر احنا فين والعربية اللى كانت بتجرى ورانا راحت فين؟
أرتشف أيسر من زجاجة المياه يرشق ما تبقى منها على وجهه يزفر بارهاق قائلاً:
– معرفش راحت فين انا هربت بالعربية منهم
أزدردت لعابها بتوتر شديد قائلة:
–هم كانوا عايزين يخطفونى يا أيسر؟
نظر إليها أيسر بطيف ابتسامة ارتسمت على وجهه مردفاً:
–الظاهر كده اكيد يعنى مش عايزين يخطفونى انا هيعملوا بيا ايه
استاءت من ابتسامته، فعلى ماذا يبتسم الآن فى هذا الموقف العصيب..فهو حتى فى الأوقات السعيدة لا يبتسم هكذا كأنه سعيد بما حدث ورؤية ملامح الخوف على وجهها فهتفت به بحنق:
–انت بتبتسم على ايه دلوقتى يا أيسر زى ما تكون فرحان باللى حصل
حمحم يجلى صوته من رعونة تصرفه.. فهو لايعرف لماذا تنتابه الآن موجة من الضحك يكبتها بداخله يخشى أن تثور كبركان تزيد من حنق تلك الفتاة الممتقعة الوجه:
–مفيش يا أنسة ثراء بس اتخيلت نفسى فى فيلم من افلام المطاردات الأجنبية علشان كده ابتسمت بس أسف لو كنت ضايقتك
لم يكد ينهى جملته حتى تعالت صوت ضحكات ثراء تحاول كبتها بيدها فهى تعلم ان عندما تنتابها حالة من الضحك يصبح صوتها عالياً..لذلك هى تحاول قمع ذلك الصوت الهادر..أولته ظهرها حتى تستطيع ان تعيد إلى نفسها ذلك الوقار الذى اعتاد ان يراه منها..ولكن كيف لها ان تعيده وهى تشعر كأنها فقدت هدوءها ورزانتها ورجاحة عقلها بعد أن رأها تضحك بهذا الشكل المنفر
–يلا بينا نروح يا أيسر علشان اتاخرنا
دلفت الى السيارة مرة أخرى وهى تشعر بالسخط والنقم على ما فعلته فهى كأنها فعلت جرم مشهود..جلس أيسر خلف المقود الا أنه التفت إليها قائلا:
–على فكرة صوت ضحكتك حلو اوى يا أنسة ثراء
أغمصت عينيها فهذا ما كان ينقصها ان يخبرها الآن بهذا الإطراء التى شعرت كأنه سوط ألهب ضميرها الذى بات يعنفها على ما فعلت
–––––
–”ياااااا عفييييييفى”
صاح بها حسام منادياً لذلك الشاب الذى تغافل عن اخباره بموعد تسليم السيارة وهاتفه صاحبها الآن يريد استلامها بعد اجراء الإصلاح اللازم لها..ولكنه لايعلم أين ذهبت مفاتيح تلك السيارة الآن
“أيوة يا اسطى حسام” نطقها عفيفى بلهاث بعد ان حضر ركضاً بعد سماع صوت حسام يناديه
هز حسام رأسه بيأس فذلك الشاب لايتوانى عن الافلات فى اوقات الراحة ربما ليرى تلك الفتاة التى تقطن فى البناية المجاورة فهتف حسام بعبوس:
–كنت فين يا روميو
تصاعد الدم حارا الى وجنة عفيفى فربما انكشف أمره وعلم حسام بما يفعله فرد متلعثما:
–هو هو يا اسطى حسام أصل كنت بجيب شاى من القهوة
ابتسم حسام بتسلية على تلك الملامح التى ربما تشبه ملامح الاطفال الخجولة
–ليه هى القهوة نقلوها يا عفيفى دى فى وش الورشة يلا ما علينا فين مفاتيح العربية اللى كنت بصلحها امبارح صاحبها أتصل وجاى كمان نص ساعة يستلمها
فتح عفيفى احد أدراج ذلك المكتب الخشبى الصغير الذى يقبع فى احد زوايا تلك الورشة وسحب المفتاح المنشود
–أتفضل يا أسطى المفتاح أهو
اخذ المفتاح من يده يدير السيارة ليتأكد من خلوها من أى عيب الآن فهو يحب اتقان عمله بشدة، ترجل حسام من السيارة يعيد المفتاح ليد عفيفى مرة أخرى قائلا:
–العربية بقت مين فل لما صاحبها ييجى اديهاله وخد حق تصليحها انا عندى مشوار فى السريع وراجع هغيب ساعتين تلاتة وراجع
حك عفيفى رأسه قائلا:
–رايح فين يا اسطى حسام بس لو تقولى بتغطس كده بتروح فين كل كام يوم
زفر حسام بضيق من تطفل عفيفى فأردف بنبرة حانقة نوعا ما:
–وأنت بتسأل ليه محسسنى انك مراتى وبتسألنى رايح فين وجاى منين خليك فى حالك يا عفيفى يا حبيبى ماشى
أطرق عفيفى رأسه أرضاً،فنقم حسام على نفسه بأنه دائما ما يتسبب فى حزنه فهتف بنبرة يتخللها أسفه الواضح:
–عفيفى متزعلش بس بلاش اسئلتك الكتير دى انا اليومين دول مش مستحمل حد ولا طايق نفسى
تقدم منه عفيفى يضع يده على ذراع حسام مواسيا له فهو يعلم أن حسام ليس ذلك الشخص الذى يحب ان يهين أحد او احراجه ولكن ربما هناك عقبات تعرقل حياته لذلك أصبح حاد المزاج فابتسم عفيفى قائلاً:
–ان شاء الله هتفرج يا أسطى قول يارب
رفع حسام يده يربت على يد عفيفى الموضوعة على ذراعه مردفاً:
–ان شاء الله يسمع منك ربنا انا لازم امشى دلوقتى
استقل حسام دراجته النارية وهو عابس الوجه وعقله يبحث عن حل لتلك المعضلة التى تواجهه فإلى متى سيظل هذا الحال؟فاذا لم ينكشف أمره اليوم حتما سيأتى هذا اليوم ويعلم جده وجدته بما يفعل..ظل شاردا فى افكاره حتى وجد نفسه أمام ذلك النادى الخاص بتلك الطبقة المخملية فهذا النادى لا يرتاده سوى أصحاب النفوذ والسلطان وأبناءهم.. مجموعة من الشباب يعيشون ربما بمبادئ مخلة..يقضون اوقاتهم فى صرف أموال أهليهم ساعين على اصطياد الملذات دون أن يأبهون بما يحدث حولهم..وجد ذلك الشاب فى انتظاره أمام تلك البوابة التى يعبر من خلالها تلك السيارات الفارهة..فثمن احدى تلك السيارات ربما كفيل بحل مشاكل العديد من الأسر الفقيرة
نظر حسام إلى ذلك الشاب المدعو مجدى وشيطانه بات يحرضه على صفعه أو الشجار معه ولكن اذا حدث ذلك سيقع فى مأزق كبير
–أتأخرت ليه كده يا باشمهندس حسام”
نطقها مجدى بسخرية وهو يتقدم منه واضعا يديه بجيب بنطاله الذى يحمل ماركة عالمية فى صنع تلك الملابس
جز حسام على أسنانه قائلاً:
–متأخرتش ولا حاجة يا مجدى وأمتى بقى ربنا يرحمنى من تحت إيدك
ابتسم مجدى بمكر نظر اليه بأهداب ناعسة مضجرة قائلاً:
–لسه بدرى يا حسام على ما تخلص منى ويلا بينا أنت هتفضل ترغى خد البرفان ده رش منه على هدومك ريحتك بنزين وزيت يا أسطى حسام
التقط حسام قنينة العطر التى قذفها له مجدى..وهو يلعنه فى خاطره ويسبه بأبشع الالفاظ..نثر ذلك العطر على جسده يعدل من هندامه ثم سار خلف ذلك الشاب الذى تلقى تحية حارة من فرد الأمن الجالس أمام بوابة النادى
–––––
منذ أن رأى تلك المرأة المدعوة”سيرين”..فى مكتب والده.. وعقله بات مشغولا..وكيف لا وهى كأيقونة للجمال الأنثوي..أمرأة ربما تخطف لب أى رجل يقابلها..نظر الى كف يده بابتسامة واسعة عندما صافح يدها الغضة فملمس يدها مازال يتذكره جيدا ..يد ناصعة البياض ناعمة كنعومة الحرير.. يفوح منها عطر خلاب..زفر بضيق فليس هو ذلك المراهق الذى يقع فى حب احدى نجمات السينما او احد الشخصيات النسائية الشهيرة..فماذا حدث له..لم يخرج من تلك الحالة التى أصابته إلا عندما سمع صوت طرقات على باب غرفة مكتبه فرد قائلا
–أيوة أدخل
دلف احد المحاسبين بالشركة بيده ملف يريد منه ان يطلع عليه ليتخذ فيه القرار النهائى
–أيوة فى ايه خير وايه الملف ده
تقدم ذلك المحاسب بابتسامة قائلا:
–شهاب بيه ده حضرتك ملف ميزانية الدعاية للشركات وكمان حضرتك عقد الاعلانات الخاصة بمجموعة الشركات اللى مفروض تتصور اليومين دول
اخذ شهاب من يده الملف يتصفح محتواه فنظر اليه قائلا:
–تمام هو مخرج الاعلانات هيبتدى تصوير أمتى
رد المحاسب قائلا:
–هو كان بيسأل حضرتك هتختار اللى هتصور الاعلانات وتمثل ماركة الشركة ولا هو اللى يختارها
ابتسم شهاب على تلك الفكرة التى خطرت له الآن.. فهو بامكانه الآن الطلب من سيرين أن تمثل الماركة الخاصة بالشركة.. فهى تعمل فى هذا المجال..وربما تسنح الفرصة ويستطيع التقرب منها
–لاء قوله أنا اللى هتقف مع اللى هتصور الإعلانات ولما يحصل الاتفاق تبلغه أنها هتكون جاهزة للتصوير
اومأ المحاسب برأسه قليلاً مردفاً:
–تمام يا شهاب بيه عن اذنك
–أتفضل
خرج المحاسب..واستند شهاب بظهره إلى مقعده ومازالت تلك الابتسامة مرسومة على وجهه..ضغط على احد الازرار الموضوعة على مكتبه لتدلف إليه السكرتيرة
–أؤمر يا شهاب بيه
–أنا عايزك تجبيلى ضرورى نمرة سيرين نصار
ردت السكرتيرة بتفكير قائلة:
–قصدك حضرتك سيرين نصار الممثلة والمغنية
هز شهاب رأسه بتأكيد:
–أيوة هى دى وعايزه بأسرع وقت مفهوم وأتفضلى دلوقتى
خرجت السكرتيرة بعد أن تلقت تلك الأوامر من شهاب..لتعود فيما بعد برقم هاتف تلك المرأة..اخذه منها..فأنتظر حتى خرجت من مكتبه..ليلتقط هاتفه سريعاً..مدوناً به رقم الهاتف الذى حصل عليه..وضع هاتفه على أذنه حتى جاءه ذلك الصوت الناعم الذى يشوبه بعض النعاس:
–ألو أيوة مين
حمحم شهاب يردف بنبرة هادئة:
–أنا شهاب الرافعى يا أنسة سيرين
تعجبت سيرين من مهاتفته لها ومن أين حصل على رقم هاتفها؟
–أيوة يا أستاذ شهاب أنتى جبت نمرة تليفونى منين وكنت عايزنى فى إيه
رد شهاب بنبرة عملية حتى لا ينكشف تلهفه لرؤيتها:
–گنت بكلمك علشان شغل مهم احنا بندور على موديل تصور اعلانات مجموعة الشركات بتاعتها ففكرت انك ممكن توافقى انك تشتغلى معانا
زاد تعجب سيرين من الأمر أكثر ولكنها وجدتها فرصة سانحة للتقرب من تلك العائلة لمعرفة كل شئ يخص زوجها عزام الرافعى
–احنا ممكن نتقابل اخر النهار ونتفق علشان حاليا كنت نايمة ممكن
رد شهاب بلهفة قائلاً:
–أوك اشوفك النهاردة باى سيرين
أنهى المكالمة..أغمض عينيه من ذلك الدفق الحار الذى شعر به من مجرد سماع صوتها فقط..فبات يرسم فى مخيلته..كيف سيكون اللقاء بينهم..او اذا صح القول كيف سيلملم شتات نفسه فى حضرة تلك الفاتنة..
–––––
نظرت بيأس إلى تلك الاكوام المتكدسة من الملابس الملقاة على فراشها..فلاشئ نال استحسانها فهى تريد شيئا مميزا لعل ذلك المتمنع يلاحظها..الذى يحيط نفسه بأسوار جليدية..كأن لاشئ يأثر به تمعنت فى النظر إلى صورتها المنعكسة بالمرآة.. كيف لا يلاحظها وهى تمتلك كل هذا الجمال بداية من شعرها الاشقر الذى يشبه سنابل القمح الناضجة الى عينيها الجميلة وقوامها الممشوق وجلدها الناصح البياض..فكم من مرة سمعت عبارات الغزل الفج من هؤلاء الشباب.. التى تقابلهم هى فى النادى ويسعى كل منهم فى التقرب اليها ونيل ودها..نفخت بضيق جلست على حافة الفراش..رأت أمها تدلف من باب الغرفة وهى تنظر بتعجب لتلك الفوضى التى أحدثتها فهتفت لبنى بتعجب:
–أيه ده يا ميرا أنتى عاملة اوضتك ليه كده وايه كل الهدوم المرمية على السرير والأرض دى
وقفت ميرا أقتربت من أمها تلقى برأسها على كتفها تردف بنبرة يائسة:
–حاسة ان كل الهدوم دى مش عجابنى يا مامى مفيش حاجة جاية على مزاجى خالص
ابعدتها لبنى عنها قليلا لتنظر إليها بابتسامة:
–أنتى عندك بارتى وعيزاله حاجة مميزة ولا ايه المناسبة بالظبط
توترت ميرا مخافة ان تلاحظ أمها ما أعتراها هذه الأيام..فلو علمت أنها تفعل ذلك لجذب انتباه أيسر فربما ستندلع نيران الغضب بعينى والدتها وليست هى فقط فوالدها وشقيقها لن يتوانوا عن طرد أيسر من العمل..لذلك بادرت بالرد :
–لاء مفيش مناسبة معينة بس أنتى عارفة أصحابى دايما شايفينى فى السما فلازم افضل كده فى عينيهم يا مامى
تحسست لبنى فك ابنتها بزهو لتلك الملامح الجميلة التى أورثتها أياها
–طبعا يا حبيبتى هتفضلى فى السما لو كده اخرجى اشترى اللى انتى عيزاه وكل اللى يعجبك
ردت ميرا بقلة حماس قائلة:
–ملوش لازمة أكتر من نص الهدوم دى لسه شاريها من أسبوع خلاص هشوف حاجة ألبسها
ظلت تنتقى من تلك الاثواب حتى وقع اختيارها على فستان صيفى باللون الاسود سيظهر صفاء لونها الأبيض
–ايه رأيك فى ده يا مامى حلو مش كده
هزت لبنى رأسها بفخر لذوق ابنتها الدقيق فى انتقاء ملابسها
–بيرفيكت يا حبيبتى ذوقك عالى زى مامى
ابتسمت ميرا وذهبت لارتداء ذلك الثوب..بينما خرجت لبنى من الغرفة..وقفت ميرا أمام المرآة تضع طلاء الشفاه تنثر عطرها المفضل..تبتسم لنفسها فى المرآة وعندما تأكدت من حسن مظهرها خرجت من الغرفة قاصدة حديقة المنزل..ظلت تلتفت يميناً ويساراً لعلها تراه فلم تنتبه لقدومه ركضا..فأصطتدمت به لتقع بين ذراعيه ناظرة إليه..فوجهه متعرقا للغاية فربما هو كان يركض منذ بعض الوقت..اعتدل سريعاً مبتعدا عنها يبدى أسفه على ما حدث
–أنا أسف يا أنسة ميرا ما اخدتش بالى ان حضرتك واقفة وانا بجرى
شملت عيناها هيئته لتجيبه بنبرة ناعمة:
–ولا يهمك يا أيسر حصل خير انت كنت بتجرى ليه
التقط ايسر انفاثه مردفاً:
–لا عادى كنت بلعب رياضة لازم الواحد يفضل بلياقته البدنية اومال ازاى أحرس الانسة ثراء
امتعضت ميرا من سماع أسم ابنة عمها..فسألته قائلة:
–أيه رأيك تبقى الحارس الشخصى ليا يا أيسر
نظر اليها أيسر بعدم فهم قائلا:
–أبقى الحارس الشخصى لحضرتك ازاى والأنسة ثراء مظنش اعرف احرسكم انتوا الاتنين وكل واحدة فيكم ليها مواعيد معينة فى الخروج
فكرت ميرا قليلا قبل ان تردف:
–خلاص أنت عارف ثراء مش بتخرج من البيت كتير فلما تكون هى هنا فى البيت تخرج معايا انا إيه رأيك
وضع أيسر يده على جبينه بحيرة قائلا:
–لو الدكتور جمال والانسة ثراء وافقوا انا معنديش مانع وتحت امرك يا أنسة ميرا بس عن اذنك لازم ادخل اخد شاور حالا بعد الجرى
ذهب الى غرفته وهو يرمقها بابتسامة..ومازالت ميرا واقفة تضم يدها بفرحة عارمة فهى ستخبر عمها بما قالته لايسر وبذلك سيتسنى لها ان تقضى معه وقتاً كل يوم ..فركضت إلى الداخل كطفلة صغيرة سعيدة بتحقيق مطالبها..متغافلة عن تلك الواقفة فى شرفة غرفتها وتابعت ما حدث منذ خروجها الى الحديقة حتى عودتها ثانية الى داخل المنزل
صوت تلك المزهرية الزجاجية وهى تتحطم على أرضية الغرفة شبيه بتحطم قلبها عندما رأت ميرا ساقطة بين ذراعيه..ظلت ثراء تدور حول نفسها كالتى أصابها مس من الجنون..سحبت أغطية الفراش تلقيها على الأرض فكل ما تطاله يدها لاتتوانى عن تكسيره او تحطيمه..حتى شعرت بأن روحها انهكتها تلك الغيرة العاصفة فتهاوى جسدها على الأرض..تجثو على ركبتيها..ودموعها تتسابق فى السريان على وجنتيها
–ياربى وبعدين فى اللى بيحصلى ده انا شوية كمان وممكن اتجنن يارب ساعدنى يارب
ظلت تدعو وتنشد العون من الله على ان تواجه ذلك المصير الذى القت قلبها بين يديه..فهى حتى الآن لم تخبر أحد بما حدث لهم عندما تعرضوا لهجوم احدى السيارات وفرارهم من مصير أسود ربما كان ستلاقيه لولا تدخل أيسر وانقاذها..كأنه أصبح حبل نجاتها ومرساة الأمان لها..فهى أصبحت لا تطمئن الا اذا رأته قريب منها فارضاً حصار عيناه حولها يكبل قلبها بأصفاد حريرية..متغافلاً هو عما يصيبها من رؤيته.. أو ربما هى يجب ان تفيق من ذلك الحب البائس..سمعت طرق على باب غرفتها فكفكفت دموعها سريعاً..نظرت حولها وجدت الغرفة تعمها الفوضى فهبت واقفة لتفتح باب الغرفة قبل ان تدلف والداتها وترى كل تلك الأشياء التالفة..فتحت ثراء الباب وجدت الخادمة ” جليلة” تنظر اليها بابتسامة فبادلتها إياها
–ست ثراء فيروز هانم بتقولك انزلى علشان تتعشى
ردت ثراء بخفوت قائلة:
–حاضر هغير هدومى وجاية وراكِ على طول
انصرفت الخادمة فعادت ثراء تلمم أغطية الفراش من على الأرض تعيد ترتيبها سريعاً وألقت بقطع الزجاج فى القمامة..ابدلت ملابسها بعد قيامها بغسل وجهها لتزيل أثر البكاء..ثم خرجت من الغرفة وهبطت إلى الطابق السفلى وجدت والدها قد عاد هو أيضا من عمله رمقته بابتسامة لم تصل الى عيناها..فهى حتى غير قادرة على الابتسام..جلست بجانب والداتها شرعت فى تناول طعامها بهدوء حتى سمعت ميرا تهتف:
–عمو
انتبه جمال على نداء ابنة اخيه فرفع رأسه باهتمام:
–ايوة يا ميرا خير
بادرت ميرا تهتف برجاء:
–عمو بليز لو سمحت ممكن أيسر لما تكون ثراء هنا فى البيت ييجى معايا النادى علشان فى شباب بيضايقونى عيزاه يمنعهم من مضايقتى
اعادت ثراء الملعقة مكانها تضم أصابعها حتى انغرزت أظافرها فى باطن يدها ولكن هذا الالم لايوازى ما يعتمل بداخل قلبها الآن ..فنظرت إلى أبيها فى انتظار سماع ما سيقوله فأردف جمال بابتسامة:
–ماشى يا حبيبتى مفيش مشكلة
غزت السعادة شفتى ميرا فنهضت من مكانها تقترب من عمها تقبله على وجنته امتناناً تردف بسعادة:
–ميرسى اوى يا عمو
فكرت ثراء هل ما تراه على وجه ميرا وتستشعره بصوتها سعادة كونها حصلت على ما تريد ام ان هناك شئ خفى لا تعلمه..كأن أصاب لسانها الخرس فهى حتى غير قادرة على النطق او الإعتراض
سمع عزام حديث ابنته فترك الحساء الذى يتناوله ونظر إليها قائلا:
–طب مقولتيش ليه يا ميرا ان حد بيضايقك كنت جبتلك حارس من زمان
ردت ميرا بابتسامة:
–ده حصل اليومين دول بس يابابى وخلاص ما أيسر موجود وأنت شايف واخد باله من حراسة ثراء ازاى
ابتسمت لبنى لابنتها تشدو بفخر اعتاده الجميع منها:
–حبيبتى باباكى يجبلك طقم حراسة بحاله مش واحد بس انتى ناسية أنتى مين وتبقى بنت مين
رفعت فيروز شفتها العليا بملل من مغالاة تلك المرأة فى الفخر والاعتزاز بصيتها او صيت عائلتها..ففيروز تعلم أنها تفعل ذلك عمدا لتذكيرها بأصول عائلتها المتواضع.. إلا إنها باتت لا تتأثر بهذا الحديث الذى لا طائل منه
–عن اذنكم انا خارج عندى عشاء عمل مع عميل مهم دلوقتى
نطق شهاب بهذا الكلام وهو يتأهب للخروج لملاقاة تلك الفاتنة..لم ينتظر أن يرد أحد من الجالسين فاتجه ناحية الباب ولكن قبل خروجه ألقى نظرة خاطفة على مظهره وهو يقف أمام احدى المرايا التى توجد بكثرة فى هذا المنزل..أسرع الخطى فى الذهاب الى سيارته ويكاد قلبه يسبقه فى الوصول إلى وجهته
_______________
دلف إلى المنزل بحذر لايريد ان ينتبه عليه أحد..يلتفت حوله ليتأكد من خلو الصالة من جده او جدته ..الا إنه قبل ان يصل الى غرفته سمع صوت جدته:
–حسام انت رجعت امتى
تسمر حسام فى مكانه غير قادر على الاستدار اليها حتى لاترى اثار تلك الكدمة حول عينه اليمين
–لسه راجع دلوقتى يا تيتة هو جدو لسه ما طلعش من المكتبة
وضعت سميرة الطبق من يدها على المائدة قائلة:
–زمانه طالع دلوقتى ادخل غير هدومك يلا علشان تاكل
دلف الى غرفته بسرعة..وقف أمام المرآة ينظر الى تلك الكدمة التى تحولت إلى اللون الأزرق فهتف بغيظ:
–منك لله يا مجدى الكلب ربنا يخلصنى منك بقى يا أخى هقولهم ايه دلوقتى لما يسألونى على اللى حصل
قام بتبديل ملابسه ثم خرج من الغرفة فى ذلك الوقت سمع صوت خطوات جده وهو يدلف إلى المنزل ألقى عليهم التحية ببشاشة كعادته دائما..ثم اتجه الى غرفته لتبديل ملابسه هو الآخر
اجتمع ثلاثتهم على مائدة الطعام..لاحظ رضوان ان حسام ليس كعهده بل انه يخفض رأسه يكاد يغمس وجهه فى طبق الطعام الموضوع أمامه فاردف بقلق:
–حسام مالك فى ايه
انتبه حسام على كلام جده فرفع رأسه بعدم فهم:
–فى ايه يا جدى انا كويس
نظر اليه رضوان بدهشة أحتلت ملامح وجهه وأعتملت بداخل تلك الخطوط التى خطها الزمن بوجهه
–ايه اللى فى وشك ده ياحسام انت انضربت ولا إيه
تركت سميرة ما بيدها تترك مقعدها تقترب من حسام قامت برفع وجهه بيدها تتفرس فى ملامحه بقلق بالغ
–صحيح ايه ده مين اللى عمل فيك كده ها انطق قول
زفر حسام زفرة هواء قوية..فهو يعلم انهم لن يتركوه الا اذا أخبرهم بما حدث ولكنه لايستطيع البوح بما حدث له حقاً فبادر بالرد
–مفيش دا انا وقعت من على الموتوسيكل وانا راكبه متقلقوش مفيش حاجة دى حاجة بسيطة ربنا ستر
انحنت سميرة تقبل رأسه وتكاد دموعها تخرج من محجرهما
–بعد الشر عليك يا حبيبي مش تخلى بالك من نفسك يا حسام
نظر إليها حسام بحب وابتسامة يسحب كف يدها يقبله يردف :
–تسلميلى يا تيتة متخافيش حفيدك جامد أوى مفيش حاجة تأثر فيه انا افوت فى الحديد
حاوطت كتفيه بذراعيها تضمه بحنان.. فهى تخاف ان يصيبه مكروه وخاصة أن ليس لديها هى وزوجها أحد غيره فهو أملهم فى هذه الحياة..فشدد حسام من ضمه لجدته..فهتف رضوان بمرح:
–فى ايه يا واد يا حسام متحضنهاش اوى كده انا بغير عليها
ابتسمت سميرة رغماً عنها فهتفت بمزاح:
–يا اخويا أنت كمان بتغير على ايه ماخلاص بقى
بادر حسام قائلاً:
–أنتى بتخزى العين عنك يا مرمر دا انتى مزة مزة يعنى مفيش كلام
ضيق رضوان مابين عينيه ينظر لحسام.. تظاهر حسام بالخوف قائلا:
–ياما فى ايه يا جدى انت هتأكلنى ولا ايه
موجة من الضحك غمرت جلستهم وربما كانت تلك السعادة لتدوم.. لولا سماع حسام رنين هاتفه ورأى اسم من يهاتفه..فسحب الهاتف يدلف الى غرفته فتح هاتفه يهدر بغضب عارم
–أيوة عايز ايه تانى يا مجدى ما ترحمنى بقى يا أخى انت ايه
أجابه مجدى بصوت بارد أشبه بالصقيع:
–وطى صوتك وأنت بتكلمنى ها متنساش نفسك يا أسطى حسام ماشى انت عارف انا ممكن اعمل فيك ايه فاحترم نفسك
دَار حسام حول نفسه من فرط غضبه فربما لو مجدى موجود الآن كان لن يتوانى عن أن يدق عنقه حتى يتخلص منه
–أنت عايز منى ايه دلوقتى ها
–عايزك تجيلى بكرة النادى عندنا مصلحة
سمع حسام صوت انتهاء المكالمة..نظر الى الهاتف وهو يلعن ذلك المتصل فأرتمى على سريره يفكر فى حل لتلك المعضلة الواقع فيها فهو لن يظل تحت رحمة هذا الشاب طويلاً..فهو قد سأم كل هذا يلعن حظه الذى أوقعه فى يد ذلك الشاب الانتهازى
___سماح نجيب “سمسم____
خرج” أيسر” من الحمام بعد ان ظل قرابة النصف ساعة تتدفق المياة الدافئة على رأسه لعلها تخفف من وطأة ذلك الألم الذى اوشك على افتراس عقله كالوحش الجائع،جلس على حافة فراشه وضع رأسه بين يديه،ليرفع رأسه بعد برهة وجيزة فمد يده يسحب تلك الصورة من أسفل وسادته نظر اليها ودموعه على وشك ان تنفطر من عيناه فهمس قائلا:
–ليه سبتينى لوحدى ها ليه تسبينى فى العذاب والوجع اللى انا فيه دلوقتى انا حاسس ان انا بموت كل ثانية بقيت حاسس ان انا تايه ومش عارف اعمل ايه
وجد نفسه يسحب سلاحه من على الكومود الموضوع بجانب الفراش،وضع فوهته على جانب رأسه وهو مازال يتحدث مع تلك الصورة مردفاً:
–أنتى عارفة أوقات كتير بفكر أن أنا أضرب نفسى رصاصة بالمسدس ده علشان أخلص من الوجع اللى انا فيه واللى انتى كنتى سببه بس بخاف من غضب ربنا عليا ليه انا اللى يحصلى كده بس ليه ليه
إعتصر جفنيه بقوة لتتسلل تلك العبرات من بين أهدابه المغلقة تأوه بصوت مسموع يريد التخلص من جراحه الا انه سمع طرق عنيف على باب غرفته….!!!!!!
يتبع